يعيش أبناؤنا معنا في هذا الواقع، ويتعلمون منه، ويكتسبون منه العادات والتقاليد، ويرون
فيه الحسن والقبيح؛ فترتسم في مخيلتهم نماذج من البشر؛ المؤمنين وغير المؤمنين،
وصور من التعامالت المالية أو االجتماعية الصحيحة والفاسدة، وأنواع من العلاقات
االجتماعية المشروعة وغير المشروعة، وأشكال من العادات والتقاليد المتفقة مع هدي
الإسلام والمختلفة معه….
يرتكز هذا الحشد الهائل من الصور المتنوعة في إحساسهم وفي عقولهم، ويتكون لديهم
تصور واقعي عن الحياة من خلال ما شاهدوه بأم أعينهم …
تصور حقيقي عاشوه وتعلموا منه، بعيد عن الخيال والمثالية …
فترى الابن يقلد أباه في أمر كان يحبه منه، وترى البنت تشبه أمها في لباسها أو طريقة
كلامها، والجيران يتعاملون مع بعضهم بحسب عادات وأصول تربوا عليها، ومَن يخالف هذه
العادات يُنظر إليه باستغراب وانتقاص … إنها حياة حقيقية واقعية …
واليوم أيها اإلخوة …
هناك مَن يسرقنا ويسرق أبنائنا من الواقع الذي نعيشه، الواقع الذي تربينا
عليه، وربينا أبناءنا فيه ليزج بِنَا في واقع خيالي افتراضي بعيد عن الحقيقة …
واقعٍ رهيب مرعب تُسلب فيه حريتنا واختياراتنا وعاداتنا وتقاليدنا وديننا و نمط عيشنا
وعلاقاتنا … ونصبح فيه عبيداً لإرادة مَن يمسك بزمام هذا الواقع االفتراضي …
إنها عبودية جديدة نسعى اليها بأقدامنا، ونضع أغلالها في أعناقنا بكامل إرادتنا؛ والأغرب
من ذلك أننا نقدمهالأبنائنا بمحض اختيارنا …
إنه الواقع الذي تفرضه علينا وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي بكل أشكالها
وأنماطها وتحايلها وخداعها …
واقع خيالي، بعيد عن الحقيقة، يجعل منا أدواتٍ لإرادته؛ موقعنا منه هو موقع العبد الذليل
المطيع لسيده المستبد …
نعم أيها اإلخوة …
يقف المتحكمون بوسائل الإعلام اليوم في موقع السيادة الملطقة، ونقف نحن الجماهير في
موقع العبودية المشين، ويلعب الإعلام بكافة أشكاله دور الوساطة بين العبد والسيد